jeudi 15 février 2024

الشاعر الفنان سمير السالمي : الشعر إبداع حياته التفرد و التجدد و المغايرة

  

برمزية شفافة يستحضر سمير السالمي  البحر و البيئة البحرية في لوحاته الفنية و قصائده الشعرية 
و يتحدت في هذا الحوار  عن جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي
 

 


 


 
حوار عبد الرحيم الشافعي 
كاتب و اعلامي مغربي


 
   1
كيف يمكن للفن التشكيلي أن يتفاعل مع الشعر في تسليط الضوء على قضايا  حيوية ملحة؟  و كيف يمكن للفنان أن يجمع بين الجانب الإبداعي والرسالة الاجتماعية في أعماله، وهل يمكن أن يلعب الشاعر دوراً مهماً في تحقيق هذا التوازن؟

 
 أعتقد أن العمل الفني (  أو العمل الشعري) و هو ينخرط في سيرورة فعل الإبداع ،مدعو للإنصات إلى حركة الزمن و إلى مد و جزر دفق قيمه و معانيه. كما أن هذا العمل  ملزم ، في كل مرة، ببلورة و تجديد و تفعيل صوره و رموزه و أدواته. أي أن تفاعل الفن بمنطق الفن، أو الشعر بمنطق الشعر  مع قضايا العصر، لا يصح أن يكون إلا عبر مقاربة إبداعية الهوية و الأساس، لغة و تصورا و تمثلا. مقاربة هي غاية لوحة أو قصيدة متعددة الخطاب ، منفتحةالرؤيا ، شفافة التصور حيوية الإيقاع.
انطلاقا من هذا الطرح التقديمي المختزل أرى أن العملين الفني التشكيلي و الشعري الأدبي (لم) و لا ينفصلان ، بالنسبة لي إلا من حيث اختلاف أدوات مباشرتهما للمعنى ، اللوحة بأبعادها الفيزيائية و الكيميائية (الفضاء المادي الثنائي الأبعاد،مثلا، الأصباغ و الألوان و المواد المحسوسة) و القصيدة بمجازاتها و صورها الذهنية، بإيقاع و نبر لغتها اللفظية . تختلف الأدوات تلخيصا  ، لكن الهدف بما هو مشروع و رؤية يبقى واحدا. فيما تتوحد اللوحة و القصيدة بالنسبة لي في أبعاد المتخيل و الرؤية ، و تتمايزان في تجليات العمل الإبداعي ، كصورة  تستفز عبر البصر الذوق  الإحساس و تفسح المجال الحر للتأمل و التأويل   أو كنص أدبي يفيض بالمعاني  و الأفكار و  ينعش الذهن و المخيلة.

إن المفهوم القيمي الأخلاقي لما يسمى ب "رسالة" الفنان أو الشاعر لا بد أن يمتثل لطبيعة الممارسة الإبداعية التي ينتمي إليها ، فاللوحة الفنية كما بين السورياليون . مند زمن لم يعد قريبا ، و على رأسهم الرسام البلجيكي روني ماغريت ، لا تكرر و الواقع و إنما تخلق واقعها هي بما فيه من الإبداع و المغايرة . صورة الغليون ، في لوحة ماغريت المعنونة : هذا ليس غليونا ، تأكيد بصري على حقيقة  بديهية هي ان الغليون في  الصورة الفنية   يتخلى عن  وظائفه النفعية  في الواقع. 
كما أن الشعر بتواز  مع الفن ، من وجهة النظر هاته،  يقوم   على الإشارة و التلميح لا على التصريح و المباشرة ، أي على قدرة الخيال الخلاق الحر على إعادة تشكيل المعنى و تمثل صور "الواقع و الحقيقة" ، حتى لا يتحول الشعر إلى منظومة أفكار  و لا القصيدة إلى نشيد إنشائي التعبير و الهوية. تلك معادلة الإبداع التي تفترض ، في كل تجربة كل قصيدة ، وجاهة الرؤيا و صواب المقاربة و جدارة استحقاق الانتماء إلى الإبداع.
2
. هل يمكن أن نرى قصائد مجموعتك الشعرية "البحر حمى و قلق " التي تختص بالبحر كجزء من مساهمتك في نشر الوعي البيئي، أم تعتبرها مجرد تعبير فني دون دلالة على رغبتك في نقل رسائل بيئية؟
و كيف يمكن للشعر أن يلعب دورًا في نقل رسائل بيئية وتوعية الجمهور حول قضايا التلوث وتغير المناخ؟
 
 كان فردينان دو سوسير واضع علم اللسانيات و واضع علم المنهج أيضا، يرى أن وجهة النظر هي التي تخلق الموضوع . وهو ما يعني في سياق سؤالك أن الرؤية الشعرية لموضوع البحر و البيئة ،مثلا، هي شاهد الجدارة الإبداعية للقصيدة عبر الإيقاع و قوة الخيال  إذ يتواجه في قصائد "البحر حمى و قلق"  وجهان متصادمان للبحر بامتدادات سحره و بهائه ، من جهة، و بعواصف و كوارث الأخطار التي تتهدده بل و تتهدد الكوكب الأزرق الأرضي كله من جهة ثانية. كل ذالك بمنطق شعري يسلك طريقة الأقل من الإشارة لتفجير و تفعيل الأكثر الأبعد من الدلالة و الإيحاء.

و علينا أن ننتبه هنا ، للأهم و هو أن البحر في  القصائد يتجلى و تتدفق موجاته من خلال الخيال و الصور و المعجم....و الإيقاع الذي يسوس مجموع الدوال الشعرية. و لا تنوب القصائد أبدا عن الخطب و و لا تسلك مسلك التقارير و المقالات... حفاظا منها على هوية الشعر  كإبداع حياته التفرد و التجدد و المغايرة.
 و القصائد بهذا الفهم ،قصائد إيقاع حر هادر متموج بأصواته و صوره و رموزه .،و هي بالتالي  شفافة المعنى بسيطة  و عميقة ، صريحة و ملمحة. و ليست لا عريضة بنود و مطالب و لا بيان شعارات و توجهات . بل هي قصائد شعر بالمعنى الإبداعي الحديث للشعر اليوم.
و في  " البحر حمى و قلق" يلتئم مد  إيقاع دوال القصائد و  يعلو مدى انسياب  موجات دلالياتها  عندما  يتوجه الخطاب ،فيها، للإنسان مباشرة باعتباره حامل أمانة الكوكب  الأرضي كله و هو يواجه الواقع الصادم و  يفتح عينه على دمار شامل :
جاء في قصيدة "قلق"

قَــــلَقْ

بِرَكٌ من الإِسْفلْتِ والزَّيتْ
بحرٌ من غُبارْ



طائرُ الشَّحمِ
غُرابٌ أبْيَضُ
وَالمدَى
طيْفٌ فَاتِرٌ
لاَ لوْنٌ
لاَ عَبيرْ



مِنْ أيِّ ضبابٍ
 هذا العُبابُ الأسْودُ
هذا الهَديرُ المُتقَيِّئُ القلِقُ
الـمـَوْجُ مَوْتٌ نَيِّئُ
طُحْلْبٌ وعوالِـقُ
مَدافِنُ
خَزٍّ ورمْلٍ
ودُخَانْ


دامِغٌ حِمْضُ النَّدى
عفِنٌ ذاك الجَناحْ
ضيِّقٌ قفَصُ النَّفَسْ
آسِنٌ
قَطْرُ الهوَاءْ


لاَ صَفْوَ
يشْرَبُ
أضْواءَ النَّهارْ
ضَاعَتْ لياليِ
الصَّحْوِ الـمُقْـمـِرَةْ
لاَ حُوتَ يصْعَدُ
مِنْ أعشاشِ السَّحَابْ
لا فُقْمَ
لا بهْجةٌ عائِمةْ



لا عيْنَ لِي أَفتحُها 
على هذا الخَرابْ
ذكرى الجمالِ صارتْ مُؤلِمةْ


 3
حدثنا عن جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي و   كيف يمكن تلخيص تجربتك في لجنة تحكيمها ؟ وكيف تقيم أهمية مشاركتك في
  تلك اللجنة؟.


 
 
أود جوابا على سؤالك  هذا أن أحيي ، أولا ، المسار المتفرد لجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي على مدى 14 عاما من العطاء بفضل من رعاية  غامرة  لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي  حاكم الشارقة   و رؤية شاملة  تنير دروب الثقافة والمعرفة و الإبداع عبر وطننا العربي . 
و  اسمح لي بهذا الصدد أن أثمن المبادرة الاستثنائية لجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي  للتأسيس لثقافة نقدية تدعم الإبداع الفني و الفنانين  في العالم العربي، بتشجيع النقد التشكيلي و توطيد الاهتمام بالبحث فيه و التعريف بنقاد الفن المتميزين بطبع و نشر أعمالهم و مكافأتهم بجوائز قيمة . و أقول مبادرة استثنائية لأن جائزة الشارقة هاته هي الوحيدة في مجالها التي تخص الباحثين في نقد التشكيل بهذا الاهتمام  و هاته الرعاية  . و نحن نلمس بإيزاء تطور الفن الثشكيلي العربي و كثرة أعداد الفنانين الخصاص الكبير الذي يعرفه مجال المواكبة النقدية و الحاجة العاجلة الملحة إلى نقاد متخصصين مهتمين بدراسة و تقييم هذا التراكم التشكيلي النوعي و المسهامة في تقريب هذا الفن من الجمهور.
و شخصيا يمكنني القول بأن مشاركتي في لجنة تحكيم دورة جائزة هذه السنة التي تركزت حول موضوع حيوي هام هو "دور الترجمة في النقد التشكيلي الحديث" قد مكنتني من الاطلاع على عمل قاعدة لافتة هامة من الباحثين و نقاد الفن من مختلف أقطار العالم العربي. و قد دعمت هذه المشاركة  القناعة بضرورة السمو بالخطاب النقدي التشكيلي العربي إلى مستوى الملاءمة لغة و اصطلاحا مع خصوصيات الفن التشكيلي كممارسة إبداعية لها   أدواتها و طرائقها و ضوابطها العلمية المبدئية التي التي من شأنها أن ترقى بالخطاب العربي في هذا الموضوع إلى مستوى التناسب مع الخطاب النقدي التشكيلي العالمي من حيث الاختيارات الاصطلاحية و المنهجية العامة . و هي القناعة التي عكستها كلمة التقرير التي قدمتها في حفل تكريم الفائزين بجائزة الدورة 14 باسم لجنة تحكيم  ضمت إلى جانبي الدكتور معتز إسماعيل و الدكتورة هويدا صالح . و تجدر الإشارة إلى أن جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي قد
توجت و كرمت على مدى مسارها الحافل بالإنجاز عددا هاما من الباحثين المغاربة في   المجال، كان من بينهم هذه السنة الناقد أحمد لطف الله  إلى جانب ناقدين ، من مصر  شادي أبو ريده و من الجزائر زيتوني عبد الرزاق
 
.
سعادة عبد الله  بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة و الأستاذ محمد ابراهيم  القصيرمدير ادارة الشؤون الثقافية بالدائرة و الأستاذة  فرح محمد قاسم
منسفة الجائزة في حفل تكريم الفائزين و لجنة التحكيم  
 4.
   بالنسبة لك ما هو رهان الشعر اليوم و ما هو الدور الذي بإمكانه أن يلعبه بإيزاء قضايا الإنسان؟
 
في لقاء صباحي بمحمود درويش دعاني إليه أستاذي الشاعر محمد بنيس بالعاصمة الرباط، طرحت السؤال على شاعر القصيدة و القضية : " كيف تحصل قصيدة حديثة على بطاقة هوية شعرية عربية ؟ أجاب درويش "إن القصيدة العربية لا يمكن أن تكون إلا قصيدة إيقاعية و إن تعددت و اختلفت تجليات هذا الإيقاع فيها لأن الأذن العربية تمرست عبر الزمن على جدل التوازنات و التجاوبات الصوتية . و الشعر العربي في غنائيته العامة شعر افتتن بالمعنى و تعلق بصور الحكمة و الحماسة و من هذه البوابة ذات المداخل منحت القصيدة الفلسطينية للقصيدة الحديثة رخصة الانتشار و وفرت عليها كثيرا من الضحايا و الشهداء ."

أعتقد،صادقا، أن الانتصار للشعر و انتزاع الحق فيه ، لا يكون إلا من خلال مقاربة فريدة في كل مرة   لا  تستسلم  لعبث اللامعنى و وهن الإيقاع اللذان  يسحقان ، يوما بعد يوم ، الشعر العربي و يصيبانه في مقتله أي في هويته كصوت ـ معنى.
إن أساس العمل الإبداعي يتمثل في رأيي في نوعية المقاربة التي يتبناها هذا العمل للموضوع أو حتى لما يمكن أن ننعثه شعريا و فلسفيا باللاموضوع .
و علينا أن ننتبه هنا ، للأهم و هو أن البحر في القصيدة يتجلى و تتدفق موجاته من خلال الخيال و الصور و المعجم....و الإيقاع الذي يسوس مجموع دوال القصيدة، هذه الأخيرة لا تنوب أبدا عن الخطب و التقارير و المقالات...و لا تسلك ،أبدا، مسلكها، حفاظا منها على هوية القصيدة كإبداع حياته التفرد و التجدد و المغايرة.
إن للشعر كما أسلفت  مقاربة  خاصة لا تمارسها القصيدة إلا كخطاب  إبداعي محض،  مقاربة نوعية  فنية تختلف في النوع و الطريقة     من دون أن تخطئ الهدف  .... 
نعم أعتقد أن للشعر و الأدب و الفن عموما دور حاسم في تشكيل الوعي و حشد الوجدان من أجل قضايا الإنسان و تطلعات الأمم .

 5.
ما هي البرمجية الشفافة التي استخدمتها في قصائدك و أعمالك الفنية" و ما هي الأبعاد  التي انفتحت عليها تجربتك ؟
 
أريد أن أشدد التأكيد استخلاصا أن أعمالي في موضوع أو تيمة البحر تمثل مجموعة ،بالنسبة لي،  قصيدة   كبيرة واحدة  ذات صياغة حيوية "بسيطة" تواصليا و مركبة فنيا،  و هي في اعتباري بمثابة بطاقة تعريف  بالمنحى العام لأعمال شعرية فنية  تنتعش  بأنسام عبير البحر و بأجواء الطبيعة الحية ، و تحلق    مستشرفة  أبعاد قضية من أهم قضايا الحاضر و المستقبل البيئي لكوكبنا الأزرق . قضية التغيرات المناخية و الاحتباس الحراري و   تعدد مظاهر و أنواع التلوث التي  تستلزم  ، إجمالا، تعبئة شاملة تنهض بها كل طاقات الإنسان العلمية و الفكرية و الإبداعية كل من جهته و بحسب مقاربته لهذه المعضلة الكونية. 
و قد سبق لي أن شاركت في فعاليات متعددة للمجتمع المدني في  إطار التنبيه  إلى واقع التلوث المتعدد للبيئة الطبيعية و العمرانية و لعموم أنظمة و ظروف عيشنا اليوم ، ناهيك عن تلوث البحر بالنفايات و خاصة بمادة البلاستيك . و قد لاقت جهودي الحثيتة على مدى أكثر من عقدين و نصف من الزمن، في مجال الاشتغال الفني و الشعري على البيئة و البحر  ، دعما تمثل في حصولي  على  جوائز وطنية  و دولية فنية بيئية هامة لعل أقربها إلى نفسي  هي جائزة الحسن الثاني للبيئة في الفن و الأدب عن اشتغالي على إدماج  المؤثرات الطبيعية في العمل الفني.

 
 سمير السالمي فنان و شاعر البحر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire